مدونة كرم عساني

عدم الوجود هو دائمًا أفضل من الوجود

نعم، هذه هي الحقيقة: عدم وجودك كان أفضل لك من وجودك. ركز على كلمة "كان": أنت الآن موجود، ولا يمكنك إلغاء وجودك (الموت فقط يمكنه إيقاف وجودك لا إلغاؤه، فهو سيلغي وعيك الحالي ولكن الآثار التي تركتها في هذا العالم (التي تدل على وجودك) ستبقى قائمة، ولا يمكنك إلغاؤها دون إرجاع الزمن إلى الوراء بطريقة ما، الأمر الذي يسبب مفارقات فلسفية لست في صدد مناقشتها). ولكن على الأقل يمكننا افتراض نظريًا أنك لم توجد أبدًا، وهنا تكمن نقطتي.

بعض الموهومين لن يقبلون بهذه الحقيقة، وسيقولون أنهم لا يتمنون أبدًا أنهم لم يكونوا موجودين بالمرة، وهذا الرفض غالبًا ناجم عن عدم قدرة الإنسان على فهم قضية الوجود بطريقة سليمة. فالموهوم سيقول لك: "انظر إلى اللحظات السعيدة التي عشتها\أعيشها\أتأمل أن أعيشها، لا أريد أن تفوت علي هذه اللحظات، وجودي هو أفضل لي بالطبع!". الفكرة هي أنك في حالة عدم الوجود لن تشعر أبدًا بأن هناك أمرًا ما فات عليك، أبدًا.

لأساعدك على فهم القضية، دعنا نجري سويًا تجربة عقلية بسيطة: لنذهب إلى الماضي، ربما إلى أيام الموت الأسود في أوروبا؛ ملايين الناس تموت من الطاعون، ولا يبدو أن هناك أملًا في إيقاف هذا الوباء. واقع فظيع! والآن دعنا نذهب إلى أيام الاستقرار والرخاء في أوروبا، حيث أن الحاجات الأساسية للناس دائمًا متوفرة. يمكنك الإبحار في العصور المختلفة في جميع مناطق العالم، والسؤال واحد: "هل تشعر بالسوء لأن هذه العصور قد فاتت عليك؟" هل تفضل لو كنت موجود في تلك الأوقات والدخول في رهان؟ قد تكون شخصًا ثريًا، وقد تكون شخصًا فقيرًا، ربما تكون حرًا، ربما عبدًا: إنه رهان. هل ترى أن عليك دخول مثل هذا الرهان في حين أن لديك الخيار (أتكلم فرضًا) أن لا تدخله بكل بساطة؟

نعم، يمكنك إسقاط نفس المنطق على حياتك الحالية، وعلى الرهان الخاص بها. نعم، الحياة فيها أمور جميلة جدًا، وعلى الطرف الآخر فيها أمور قبيحة جدًا. القضية هي ليست بمقارنة وموازنة الأمور الجميلة مع القبيحة، القضية هي: لم ندخل هذا الرهان أساسًا؟ هل يستحق الأمر؟ هل فعلًا لديك شعور حقيقي بأن تعاصر كل الأوقات التي فاتت عليك؟ أم أنه مجرد وهم؟ فكر جيدًا قبل الإجابة.

في النهاية، أنا لا أدعو إلى كراهية الحياة، على العكس، الحياة جميلة جدًا (رأي شخصي)، ولكن دعنا نعترف أن عدم وجودها كان "أجمل" لنا (حقيقة). أعلم أنه لا يمكننا تحقيق عدم الوجود (بما أنك وجدت وأنت الآن تقرأ هذه المقالة فـ: راحت عليك 😁️)، وأعلم أن هذا الكلام مبني على فرضيات نظرية مستحيل تطبيقها (مثل إلغاء الوجود إلخ)، ومع ذلك، يمكننا الوصول إلى استنتاجات أخلاقية (استنتجات تتعلق بأمور يمكننها تحقيقها أو عدم تحقيقها) بناء على هذه الفرضيات، تابع مع هذه المقالة لترى مثالًا على ذلك.