مدونة كرم عساني

الطرق الفاشلة لتعلم أي لغة (طبيعية)

الكثير منا يجد أن اكتساب لغة ما هو مجهود فكري ثقيل وأن ليس الجميع قادر على بذل هذا المجهود (يجب أن يكون لديك مورثة تعلم اللغات)... والكثير من الخرافات الشعبية التي لا أساس لها على أرض الواقع إنما تقف حاجزًا في وجه أي إنسان يحاول اكتساب لغة معينة خصوصًا اللغات "الصعبة" منها، ومن هذا الكلام. في هذه المقالة سأقوم بدحض هذه الخرافات في هدف إثبات أن اكتساب اللغات هو شيء طبيعي جدًا يفعله الغالبية الساحقة من البشر دون بذل جهود فكرية خاصة.

لنبدأ أولًا بالاتفاق على نقطة؛ وهي أن تعلم لغة ما يؤدي إلى اكتسابها وإمكانية ممارسة التواصل بها. أي عملية تعليم للغة لا تؤدي إلى اكتسابها هي ليست عملية تعليم (على الأقل ليست عملية تعليم لهذ اللغة إنما لشيء آخر).

خير مثال على عمليات التعليم الفاشلة هو النظام التعليمي الرسمي التقليدي، طبعًا بعيدًا عن الفشل الذريع والجذري في هذا النظام أريد التركيز على الفشل في تعليم اللغات. فمثلًا في بلدي "يدرس" الطلاب العربية والإنجليزية والفرنسية (أو الروسية) ولكن غالبهم يخرج، بعد مرور 12 عام لهم ضمن التعليم الأساسي، غير قادرين على ممارسة أي من هذه اللغات على أرض الواقع (نعم حتى العربية).

والفشل في هذه العملية التعليمية يرجع إلى نتيجة معينة تعطيها آلية عمل النظام التعليمي التقليدي وهي أن الطلاب لا يريدون اكتساب اللغة؛ هم فقط يريدون أن ينجحوا في الامتحان. طبعًا هذا الكلام ليس محصور ضمن المواد اللغوية وإنما ينطبق على جميع المواد. ومن جهة أخرى، نرى أن المنهج المستخدم في تعليم اللغة مشهور جدًا في فشله وعدم جدوته. أسلوب "الترجمة والقواعد translation-grammar" هو أسلوب مناسب جدًا لبيئة المدارس والامتحانات ولكنه غير مناسب لاكتساب اللغات بحق.

وحتى نتعرف على المنهج الصحيح في تعلم لغة ما، دعنا بداية نسأل أنفسنا... هل سبق لنا أن حاولنا اكتساب لغة ما ونجحنا في ذلك؟ لا أظن أن أحد القراء سيجيب بالنفي. على الأقل، بقرائتك لهذه المقالة، فأنت مكتسب للغة العربية (حتى لو كان اكتساب استقبالي receptive فقط)، كما أن اللغة العربية لا يوجد لها متحدثون أصليون، لذا يوجد لديك على الأقل لغة أصلية اكتسبتها من بيئة الطفولة الخاصة بك.

دعنا نرى كيف تعلمت لغتك الأصلية: هل أخذت كتاب عن قواعد هذه اللغة وقمت بحفظه؟ هل وضعت لائحة بالكلمات الشائعة وتصريف الأفعال ثم قمت بجردها؟ هل تعلمت الكتابة والأحرف قبل أن تبدأ بتعلم الاستماع والنطق؟ هذه الأسئلة كافية لإظهار مدى غباء منهج الترجمة والقواعد، وأن اكتسابك للغتك الأم كانت عملية مختلفة تمامًا عما تفعله في المدارس أو الكورسات أو المعاهد التدريبية.

ربما ستعترض: "لا يمكنك مقارنة لغتك الأصلية بلغات أخرى، فعندما كنت صغيرًا كان دماغك قابل على اكتساب اللغات بطريقة سحرية، والآن فقد دماغك هذه القابلية فأنت مضطر إلى استخدام الترجمة من وإلى لغتك الأصلية من أجل تعلم لغات جديدة"

في البداية، لا يوجد أدلة كافية على أن دماغ الطفل قادر على تعلم اللغات أكثر من دماغ البالغ. هذا الكلام يأتي من فرضية تدعى The Critical Period وركز رجاء على كلمة "فرضية". يوجد طرق أخرى لمعرفة لم ينجح الطفل في اكتساب اللغات أكثر من البالغ:

للوهلة الأولى، يمكنك استنتاج أن عدم اعتيادك على أي لغة يجعل عملية تعلم اللغة أمرًا أسهل. لكن هذا الاستنتاج غير دقيق، فبالنسبة للطفل، اكتساب اللغة صوتيًا يحتاج من 3 إلى 5 أعوام بالمتوسط، أما البالغ يمكنه اكتساب اللغة صوتيًا وكتابيًا في غضون عام أو عامين (حسب هذه اللغة وعلاقتها باللغات التي يتحدثها هذا البالغ بالفعل)، ما السر يا ترى؟

السر هو أن جميع لغات البشر تمتلك ما هو مشترك أكثر مما هو مختلف. مما يعني أن اعتيادك على لغة ما لن يعيقك من اكتساب لغات جديدة أكثر مما سيساعدك. عليك فقط التوقف عن الاصرار أن لغتك الأم هي الأكثر منطقية والأكثر تعبيرية والأمور ستبقى بخير، ثق بي. 😉️

إذا كيف يمكنني البدء باكتساب لغة ما كبالغ؟ ومتى سوف أتقن هذه اللغة؟

لا يوجد طريقة صحيحة على وجه التعيين لتعلم لغة ما، ولكن يوجد طرق خاطئة (وأنا ركزت على إبانة هذه الطرق). بشكل عام، في البدايات، حاول الابتعاد قدر الإمكان عن تعلم قواعد اللغة، وكذلك عن النظام الكتابي لهذه اللغة. ابدأ بالاستماع بشكل مكثف إلى أشخاص يتحدثون بهذه اللغة بطلاقة، سواء في سياق الحياة اليومية (يفضل ذلك) أو في سياق مسلسلات الدراما (وما في مثلها)، طبعًا تجنب قدر الإمكان استخدام الترجمة أثناء هذه العملية؛ بل حاول تلقيد الأصوات التي تسمعها، حاول تقليد ما يقوله الآخرون بنفس أسلوبهم.

يمكنك تجاوزًا تعلم بعض المفردات باستخدام الصور (يفضل ذلك) أو الترجمة، لأن عملية اكتساب المفردات دون اللجوء إلى التعلم المباشر active learning تحتاج إلى وقت طويل نسبيًا وأنت بإمكانك بكل بساطة اختصار هذه العملية، وتوفير الوقت من أجل القيام بنشاطات البالغين التي لا يضطر أن يفعلها أبناء السنة والسنتين.

يمكنك معرفة أنك أصبحت طليقًا في اللغة من خلال التالي: عندما تستطيع توظيف اللغة في التحدث والاستماع مع ناطقي هذه اللغة دون صعوبة أو مجهود يذكر. وعلى ذكر المجهود، دعني أسلط الضوء على نقطة مهمة: المجهود المبذول في اكتساب لغة ما هو مجهود "تعودي" وليس مجهودًا فكريًا: عندما تجد نفسك تبذل مجهودًا فكريًا أثناء تحدث لغة ما، عندها تأكد أنك تسير على الطريق الخطأ. اللغات الطبيعية ليست كالرياضيات، أو البرمجة أو الفيزياء، ليس عليك "حل" سؤال معين عن طريق تطبيق القواعد. يمكنك دائمًا الانطلاق من "الحل" نفسه، وهذا هو الصحيح!

والآن بالنسبة لتعلم النظام الكتابي، فالأمر يعود إلى اختياراتك، يمكنك البدء في تعلمه بعد السير في عملية الاستماع والتقليد بفترة وجيزة، كما يمكنك تأجيله لوقت بعيد أو عدم تعلم النظام الكتابي بالأساس (مما يجعلك أميًا في لغتك الهدف). نفس الأمر بالنسبة للقواعد، وغيرها من المعارف اللغوية؛ الفكرة أن هذه البنى هي دائمًا بنى ثانوية بالنسبة للغة، فحاول ألا تجعل هذه البنى حواجز بينك وبين اكتساب تلك اللغة. تذكر دائمًا أن اللغة هي ما يتحدثه الناس، لا ما يقرره مؤلف كتاب تعليمي؛ مارس اللغة انطلاقًا من أصحاب اللغة، لا تحد نفسك ضمن دفتي كتاب يدعي أنه سيزودك باللغة كاملة.

وعند اختتام المقالة، أود التنبيه على موضوع مهم جدًا وسبب رئيسي في فشل الاكتساب اللغوي، ألا وهو الخوف من الوقوع في الأخطاء؛ الأمر الذي لا يشعر به مكتسبي اللغات من الأطفال (وفي الواقع، بعض هؤلاء الأطفال قد يعاني من خوف اجتماعي يجعله في وقت لاحق غير قادر على الكلام بشكل سليم). إياك والخوف؛ فارتكاب الأخطاء هي الطريقة الأكثر فعالية في اكتساب لغة ما، وحتى في اكتساب أي نوع من المعارف بغض النظر عن طبيعتها. للأسف بيئة المدارس ربت الطلاب على الخوف وتجنب ارتكاب الأخطاء مما حول العملية التعليمية إلى عملية تلقينية ترهيبية فاشلة. اخرج من سياج المدرسة! اذهب ومارس الأخطاء!

محتوى متعلق

Notes on Learn Languages by Luke Smith